الاثنين، 14 مايو 2012

قد يكون الغيب حلواً .... ذاكرة الأسْر

في رحلتي مع الأيام ساقتني الأقدار إلى زنازين الظلام والقهر .... هناك وفي تلك الأعوام ضاعت الأحلام وافتقدت الأماني الغالية وفاتني شوقي الساهد في العيون وافتقدت ياسمين العمر والحُلُم الجميل ....
في رحلتي تلك فوق الشوك اقتحم أبطال السجون أعتى إضراب عرفته الحركة الأسيرة ، حملوا أرواحهم على أكفهم وصرخوا صرخة هائلة في وجه السجان الذي حاول امتهان الكرامات وقمع الفدائيين وسادة الأمة والعناوين الراقية في المجتمع الفلسطيني .... هناك كان يترائى لك المشهد الأكثر عصفاً في الحياة حيث فتك الجوع بالشباب الحر المجاهد خلف القضبان وفي عتمات الزنازين فتساقط الكثيرون أعداداً لا حصر لها ، خارت قواهم بعد ثلاثة أيام ... وهناك من كان يمشي ويصلي ويخدم الآخرين بعد أسبوعين وثلاثة من الإضراب ... لا زالت رائحة أفواه المضربين تستوطن أنفاسي منذ تلك السنين فتؤلمني وتذكرني بأحبتي الذين خلفتهم ورائي فاختلف وعدهم ومضوا في زحمة الحياة ولم تسعفني الحظوظ لرؤيتهم لقراءة قصيدة الاعتذار ؟!
لقد ضج العالم وقامت الدنيا وحاول الاحتلال تطويق الاضراب بالقمع والعزل والتهديد والوعيد فقام بنقل القيادات وتشتيتهم إلا أن طلائع الشباب المجاهد رفض التراجع وبما أن القضية الفلسطينية كانت في أبهى حللها ونضارتها آنذاك فقد افتضح الاحتلال واتسعت دائرة التنديد بالعنصرية والفاشية حتى دخل مجلس الأمن بانعقاد شبه دائم ....في تلك الأجواء المخيفة قامت ادارات السجون بتجميع قيادات السجون قبل أذان الفجر وجيء بهم إلى أحد السجون وحضر مدير السجن لاجتماع عاجل ومهم .... ولدى إزالة العصبات عن العيون للوهلة الأولى خمنّا أننا في طريقنا للإبعاد ؟! .... ، ووقف متأملاً في وجوه القادة المضربين ثم سأل :- ماذا تريدون ؟ ولماذا أنتم مضربون عن الطعام ؟! وهنا أنبرى قادة المضربين وأصحاب العزائم فوقفوا واحداً تلو الآخر ليندّدوا بقمع السجناء وقهرهم وسحب مكتسباتهم ومنجزاتهم عبر السنين فقالوا :- أنتم تقمعوننا وأخذوا بتفنيد مزاعم السجان وأعلنوا عزمهم وإصرارهم على المضي نحو الموت وعدم التراجع حتى تتحقق المطالب ووجم مدير السجن قليلاً ثم عدّل وقفته وقال بالحرف الواحد :- اسمعوا أنتم هنا لأنكم أعداؤنا وأنتم تخضعون لأنظمة السجون ، ما تطلبونه ليس مقبولاً عندنا .... ربما توصلكم مطالبكم الى حياة أفضل من هذه ولكن من سيحققها لكم ، عليكم الرضا بالواقع ثم تابع قائلاً :- وكما تقول أم كلثوم – ولازالت العبارة منقوشة في الأذهان – (قد يكون الغيب حلوا إنما الحاضر أحلى ) فأنتم العرب دائماً تطالبون وتحلمون ولكنكم في النهاية تغمرون رؤوسكم بواقعكم وتقبلون به مرغمين .
إن عقيدة الاحتلال هذه في السجون وخارج السجون وهي تحدد تعامله معنا فوق هذه الأرض بدليل أننا لا نستطيع أن نصل معه الى شيء لأن تغيير واقع الناس محكوم سلفاً بعوامل القوة ومعطيات المقاومة والصبر والتحمل فقط ، وفي تلك الأيام انصاع الاحتلال  لإرادة الموت رغم أنفه وكان الثمن باهظاً ... الجوع والموت والمعاناة ومظاهرات انتظمت الدنيا بأسرها ... إنها عوامل قوة ودفع ودعم وإرادة وتمكين ما أحوجنا إلى تفعيلها هذه الأيام إن أردنا لقضية الأسرى أن تسود ونحقق الأهداف والأماني .
اليوم يعاود الأسرى الصدح المدوّي بالنشيد ..... فبدؤوا بالعزف على مكامن الألم المدماة ... تذوي الأجسام وتذوب الأحشاء ويصرخون من الأعماق لكي تحيا القلوب وتنتعش الأرواح ....
على الأمة اليوم أن تقترب أكثر من آلامهم المبرحة فتشرع أبواب الصيام في أوسع مدى تضامناً وتآخياً في كل يوم وتتحول الشوارع والحارات والميادين إلى مهاجع ، فيهجرون البيوت ليلاً ويفترشون الأرض الطيبة التي من أجلها كان هناك أسرى وسجون ومنون
إننا ان لم نفعل ذلك اليوم سنظل سجناء هنا وهناك وسنبقى بلا ربيع ؟!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق