السبت، 28 أبريل 2012

حامد البيتاوي في ذاكرة الأيام

في مطلع الثمانينيات أرسلت إلى الشيخ حامد البيتاوي دعوة للقاء الطلاب في جامعة الخليل الأبيّة وكنت رئيساً لإتحاد طلبتها ، فرد رحمه الله أنه قادم وحدد موعداً وحضر في موعده ، وأبصرناه من بعيد وهو يتهاوى في جبته البنية وعمامته السابحة في الأفق الممتد هناك في سفوح جبل الخليل وبئر المحجر .
لم يسبق أن أستضفنا أحداً قبل حامد البيتاوي ولم نلتق بأمثاله من العلماء العاملين – من خارج الجامعة – في باحاتها ولذلك جلس الطلاب والمدرسون وأنصتوا بعناية إلى كلمات الشيخ وتابعوا حركاته فسافروا بعيداً بنبرات صوته ..... إنها لغة القلوب التي كان يتقنها الشيخ حامد رحمه الله ، لذلك استمع اليه الأصدقاء والأعداء على حد سواء ونال احترام كل من جلس بحضرته مستمعاً لوعظه الرباني الخالد .
لا زلت حتى اليوم أحفظ الكثير مما قاله الشيخ في ذلك اللقاء حيث فسر لنا قوله تعالى :- {إنها ترمي بشرر كالقصر} حيث كان يخاطب طلاب كلية الشريعة قائلاً لهم :- (أنتم مشتل مشايخ) ، وتحدث عن حكم الغناء الماجن والفن الهابط وحكم الإنصات له وحث الطلاب على الاستماع للبديل من النشيد الشجي ، كنت قد ذكّرته بذلك لاحقاً عندما جيء به الى السجون وعندما شاهد الجموع من بعيد وقد احتشدت خلف السياج وداخل الأقفاص وأخذ يصرخ بصوت عال :-
أخي أنت حرٌ وراء السدود               أخي أنت حرٌ بتلك القيود
اذا كنت بالله مستعصماً                    فماذا يضيرك كبر العبيد

بعد أن تخرجت من الجامعة عملت معلماً ثم توقفت عن العمل بقرار الاحتلال ، أرسل الشيخ حامد يستقدمني اليه وكان قاضياً شرعياً لمحكمة طولكرم الشرعية وقال نريد مأذوناً شرعياً وتقدم لذلك الكثيرون ولا يصلح لذلك الا أنت فقلت له :- أنا لست مهيئاً لذلك وأفتقد الاستقرار هذه الأيام ثم انني لست متزوجاً لكي أزوّج الناس ؟! أجاب رحمه الله :- لا يهم وإن أردت زوجناك اليوم وقال للجالس بجانبه :- علمه إجراء عقود الزواج الآن .
وبعد ذل سألني عن قرار الاحتلال وان كنت قد خسرت شيئاً فقلت لقد خسرت الشوق والحلم الجميل فرد مبتسماً :- انتظر فسيجعل الله بعد عسرٍ يسرا ...... ودارت الأيام وتقاذفتنا الخطوب وعندما كنت ألتقيه كان يبادرني بقوله تعالى {ولله عاقبة الأمور} .

عندما كنت تتحدث الى حامد البيتاوي كنت تشعر بالدفئ والحب العظيم كان عندما يشاهدنا من بعيد يتوقف ويحدّق بنا ثم يبدأ بالابتسام فإذا صافحناه مازحنا وسأل عن أخبارنا .
في أيام المحن عندما كانت تشتد حلكة الأيام كان حامد البيتاوي يستغرق في الضحك ويقول :- إنها بشريات النصر والظفر والتمكين استعينوا بالله واصبروا .
سيمضي زمن طويل قبل أن يتمكن البعض من نسيان شخصية رائدة كشخصية الشيخ حامد وسنتعثر كثيراً في دروبنا ونحن ننادي على حامد البيتاوي الذي آثر الرحيل عند اشتداد الخطوب وضياع الدروب .
برحيل الشيخ حامد البيتاوي تخسر فلسطين قائداً ملهماً وداعية شجاعاً وليثاً هصوراً ومجاهداً عظيماً ، ونخسر نحن أباً حانياً ورفيقاً حبيباً .
ها نحن نفتقد حادي القافلة ورائد المسيرة ، شيخاً عالماً وطنياً من الطراز الأول ، كان شوكة في خاصرة الاحتلال ، نسأل الله تعالى أن ينزله منزلاً مباركاً مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا .
،،،والسلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يُبعث حياً ،،،

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق