الأربعاء، 9 يونيو 2010

الدولة العثمانية على خط النار

الدولة العثمانية على خط النار

ها هي الدولة العثمانية تقف ثانيةً في الخطوط الأمامية للدفاع عن ثغور الأمة الإسلامية بعد أن تكشفت عورات العرب وعلى مدى عشرات السنين .
ها هو التاريخ يدور دورته القدرية فيخرج ثانية من الباب العالي ليذود عن العرب الذين تحالفوا مع الصليبيين والاستعمار لإسقاط الخلافة ولا زالوا يفخرون بذلك ويعلّمون ذلك التاريخ المخزي في مدارس الوطن العربي تحت عنوان الاستعمار التركي أو العثماني ؟!

هل كان العرب بأنظمتهم السياسية ودويلاتهم الهزيلة البديل المأمول عن الخلافة الاسلامية التي لم تقم دولة اسرائيل الا بعد أن قام العالم بما فيهم العرب بإلغائها وتدميرها واستبدالها بأنظمة الردة العربية ؟!

لقد ظل الأتراك العثمانيون يحافظون على جوهر الإسلام ويعتزّون به كثيراً ويزهون به على الأيام رغم أفول إمبراطوريتهم وذهاب ريحها وتحولها الى تركيا العلمانية وكأننا نحن العرب لسنا علمانيين فالعرب العاربة وأنظمتها الرسمية تعمل خادمة في بلاط الصليبيين والإمبرياليين والحركة الصهيونية منذ ما يزيد على قرن من الزمان ؟!

يعلم العرب والعالم من حولهم أن عزل تركيا والتخلي عنها عربياً واسلامياً لم يعزز الأمن القومي العربي ولم يسهم في ستر عورات العرب في فلسطين والعراق ولبنان والصومال والسودان .
يقفُ العالم اليوم منتبهاً صوب تركيا لأنها تعودُ لِتُمسِك بعصا التاريخ وبقلمه باقتدارٍ عظيم ، يُفكر العرب أحياناً بالاحتماء بتركيا ولو معنوياً لأنها تحاولُ محرجةً الدفاع عن الحقوق العربية التي فرّط فيها أهلها ، ولم يعد خافياً بأن السر الدفين والكامن – الذي يحاول العرب التظاهر بعدم رؤيته – وراء القوة المندفعة لتركيا اليوم هو :-

أولاً : أنها دولة قوية تهتم ببناء الإنسان مادياً ومعنوياً وبأن يكون جيشها قوياً مقتدراً لا ينهزم ولا يلحق به العار ، تمتلك من وسائل الردع التي تمكنها من الدفاع عن أراضيها ومواطنيها ومبادئها وتاريخها العريق .

ثانياً : الديمقراطية الحقيقية النظيفة السائدة في تركيا والتي تجري على النمط الأوروبي أو الإسرائيلي ، تستطيع أن تعاين حزباً اسلامياً يحكمُ البلاد التي تتمترس منذ زمن طويل خلف قلاع العلمانية وجيشٍ قوي يقوده جنرالات علمانيون لديهم الجاهزية المطلقة للدفاع عن علمانية الدولة ورغم ذلك يستطيع الحزب الحاكم إقصاء ومحاكمة والتنكيل بجنرالات أقدمت على مخالفة القانون والعمل ضد مصلحة البلاد ، هنالك قيمٌ مستقرة على احترام قانون البلاد .
تجري الانتخابات في تركيا بصورة نزيهة يحترمها العالم وفق ديمقراطية حقيقية مشهودٌ لها بالنظافة بينما نحن في بلاد العرب نتميز كثيراً بتزوير الانتخابات ، كل الانتخابات رئاسية أو تشريعية أو محلية أو نقابية أو طلابية ، أمةٌ لا يثق العالم بكل الأنماط السائدة في بلادها .

ثالثاً : التاريخ المتطاول لتركيا وهي الخلفية العملاقة للمشهد التركي الذي لا يتوقف عن تذكير العالم لحظياً بأنها تنتمي الى دين الإسلام والى حضارة عظيمة وإمبراطورية حكمت العالم قروناً طويلة تستطيع أن تقلب الموازين وتقود العالم من جديد عندما تتهيأ الظروف وتتبدل المناخات ، وقد فعل آباؤهم وأسلافهم ذلك فشيدوا أعظم إمبراطورية تستند الى حضارة إنسانية تتصل بحبل الله المتين ، أما نحن العرب فلم نشاهد أو نسمع أياً من زعماء النظام الرسمي العربي يتحدث عن تاريخ الاسلام وحضارة الاسلام بل كل ما نراه ونسمعه هو حربهم الضروس التي لا تتوقف ضد الاسلام والمسلمين ، بل انهم يقومون بتنفيذ الاستراتيجيات الصليبية الجاهزة في العمل ضد الاسلام والمقاومة العربية في بلادهم .
رابعاً : الحضور التركي القوي والبارز للدفاع عن قضايا العرب والمسلمين البالغة الخطورة والشديدة الحساسية رغم انها عضوٌ في حلف الأطلنطي ، فنشاهدُ مواقفها القوية ونسمع صوتها المدوي وهي تنبري للدفاع عن قضايانا المصيرية بالرغم من تحالفنا نحن العرب والمسلمين مع الصليبيين والكفار والاستعمار العالمي ضد العثمانيين تاريخياً ولا زلنا نرابط ضمن ذلك المحور حتى هذه الأيام ، فتراهم ينافحون عن حق ايران في بناء منظومة نووية للردع والتقدم وها هم يدافعون عن المقاومة الفلسطينية والمقاومة اللبنانية ما استطاعوا الى ذلك سبيلا .
وها هم يقودون الحملات الكبرى لكسر الحصار عن غزة بينما يشارك النظام الرسمي العربي فعلياً وبكل الأدوات المتاحة في حصار غزة إن لم يكن هو المحاصِر الحقيقي لتلك البلاد والتآمر على المقاومة الفلسطينية .

خامساً : القيادة التركية المحترمة والنظيفة ، البعيدة عن التلوث والأدران ، فهي قيادة جديدة وشابة يحترمها العالم ويصدق ما تقول ويُصغي اليها باهتمام ويفتح لها الابواب للمساهمة في بناء العالم الجديد بينما نحن العرب مستبعدون عن ذلك المشهد بسبب الفساد والإستبداد والظلم وقهر الانسان فضلاً عن القيادات الغير شرعية والمترهلة التي وصلت الى كراسي الحكم بانتخابات شوهاء صورية أو مزورة ولأن الغرب الصليبي ينظر الى بلاد العرب باعتبارها أجزاء من أملاكه ، فالنظام الرسمي العربي بمجمله وزعماءه واركانه ما هم الا موظفون رسميون لدى جهة الغرب المختلفة ، فالوطن العربي بأراضيه وسكانه محتل تماماً رغم خلوه من جحافل التتار .

سادساً : يُسجل الأتراك اليوم حضوراً عالمياُ لافتاً وقوياً وعالي المنسوب في المحطات الساخنة والهامة للأحداث والتي تجري في أطراف العالم بالنظر الى العرب الذين يختبئون في الجحور ويلوذون بالصمت ويغرقون بالفضيحة لدى ذبح الاف الاطفال في فلسطين ولبنان والعراق ، انها مفارقات مفجعة بين التحفز التركي والهيبة التركية والانحطاط العربي المُشين .

سابعاً : نوعية الانسان في تركيا اليوم ، الانسان المعاصر هناك الذي ارضعته بلاده لبان الحرية والعزة والكرامة فغدا حراً عزيزاً مقداماً يكره الظلم والطغيان ، نعاين كل ذلك ونحن نمعن النظر في الانسان العربي الذي يتقلب بين اطياف العبودية ويستمرئ الذل والهوان والخنوع ، فتراه يصارع طوال حياته صراع الثيران كي يستطيع ان يصل الى لقمةٍ تُقيت أوده أو رداءٍ يستر به جسده ، يتجرع كؤؤس الذل مترعةً ويربي أطفاله على الرضا والخنوع والتحذير من مصادمة الواقع المستبد .

ثامناً : القوة النفسية والهمة العالية التي يتحرك في فضاءها الانسان التركي المعاصر – رغم اندثار امبراطوريته التي حكمت العالم مئات السنين – فها هي الدماء التركية تترقرق على أمواج سواحلنا العربية الى فلسطين بينما ينكمش العرب في بواديهم يلفهم الذل ويتهددهم الفناء وهناك على المعابر الى غزة تصوّب البنادق الى صدور الجياع والعراة في أرض المقاومة والتصدي والعزة العربية الباقية في هذه الأمة .

ها نحن نقف وجهاً لوجه أمام حتمية التاريخ وهي أن الإسلام قادمٌ لحسم الأمر في فلسطين والمنطقة والعالم .
لقد قام الإسلام بفتح فلسطين بقيادة عمر بن الخطاب ثم قام الاسلام بتحريرها من الصليبيين بقيادة صلاح الدين الأيوبي وها هي ترزح تحت حوافر الاحتلال منذ ما يقرب من مئة عام
فأين هي القومية العربية والجيوش العربية والأنظمة العربية بل ماذا فعلت الأحزاب والمنظمات العربية ؟!.
ها هو الإسلام يتقدم بقيادة الأتراك وغيرهم مرة اخرى وعلى العالم أن يرقبنا ونحن نتهيأ لاستقبال الفاتحين .


سليم عبد الرحمن الزغل
باحث وأكاديمي
دير الغصون - طولكرم

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق