السبت، 27 مارس 2010

الشيخ محمد علي الجعبري ... قيادة للزمن القادم رغم الفناء

الشيخ محمد علي الجعبري ... قيادة للزمن القادم رغم الفناء

لن يستطيع مؤرخ منصف أن يكتب عن تاريخ جبل الخليل وما حوله في حقبة الستينات والسبعينات وما قبل ذلك دون التوقف ملياً وطويلاً في محطة الشيخ محمد علي الجعبري رحمه الله ، وعندما نريد أن نؤرخ لتلك الفترة من حياة أمتنا الفلسطينية فوق أرضها وعلى تراب وطنها لا بد أن نمعن النظر ونلقي السمع لوقع خطوات الشيخ محمد علي الجعبري وهو يمارس القيادة الشعبية الجماهيرية هناك في مدينته الخليل وما حولها بإنسانيته المرهفة وبهمته العالية حيث استطاع المحافظة على دوره الوطني وسط ظروف بالغة القسوة وأحداث عاصفة ونكسة مدمرة نالت من إرادة الناس وعصفت بأحلامهم .

إن الشخصيات التي يختلف البعض معها هي غالباً شخصيات ورموز تعرف على جانب كبير من الأهمية والمكانة الإنسانية والاجتماعية .
اذكر أن الشهيد فهد القواسمي رحمه الله قال لي وأنا في دار البلدية عام 1980م مع اتحاد الطلبة بأنه اختلف مع الشيخ الجعبري في جوانب إلا انه يُكن كل الاحترام والتقدير والتبجيل لشخص الشيخ لما قدمه عبر تاريخه الطويل لمدينة الخليل وللإنسان فوق هذه الأرض .

إن ما أبداه الجعبري إبان مرحلة سقوط الضفة الغربية تحت حوافر الاحتلال وانتكاس الأمة العربية من رباطة جأش وشجاعة منقطعة النظير وموقف صلب لا يتراجع أمام غطرسة الاحتلال وصلفه واستهانته بالأمة العربية والإسلامية في تلك الأيام ليدل بما لا يدع مجالاً للشك بأننا نتحدث عن قيادة شعبية واسعة المدى ، وقف عندما تراجع الآخرون وصرخ عندما صمت العرب من المحيط إلى الخليج ورابط على تراب الأجداد عندما ارتحل المترددون ، اليوم نحِنُّ ونشتاق إلى الفكر السياسي الذي كان يطرحه الشيخ الجعبري ونحن نرى ونسمع الأداء السياسي العربي الهابط أمام العنجهية الإسرائيلية وتغوُّل المستوطنين ولو قدر للزمان أن يعود إلى الوراء لتبوء المنهج السياسي للشيخ الجعبري مكاناً علياً بين المذاهب السياسية العربية التي تقبل بكل ما يُفرض عليها .

في أواخر الثمانينات التقيت المرحوم الرئيس عرفات في عمان وعندما ذُكرت أمامه الأسماء أشار إلي قائلاً): أنت تبع الخليل) فأومأت له بالموافقة فتبسم وقال : رحم الله الشيخ الجعبري مثّل قيادة محترمة اختلفنا قليلاً أما اليوم فلا خلاف أنا مندفع بقوة نحو آرائه السياسية وأتمنى أن يحترم العالم حقوقنا ؟!

بعد الهزيمة العربية في 1967م واستقرار الناس في قعر الهزيمة تراجعت الأحلام وانحسرت الأماني وارتحل كثير من الناس وكفر الباقون بالنظام السياسي العربي .

ايقن الشيخ الجعبري أهمية اعادة ثقة الناس بربهم ودينهم وعقيدتهم الإسلامية فبادر لتأسيس كلية الشريعة الإسلامية (مركز الدراسات الاسلامية) واستطاع هذا المركز استقطاب الطلاب من مختلف مناطق الضفة الغربية وقطاع غزة وطلبة فلسطين عام 1948م ، فكان أأول كلية جامعية تقبل طلاباً من مناطق عام 1948م على مقاعدها وذلك لرفد المجتمعات هناك بالعلم الشرعي اللازم لدوام الصمود والاستمرار على تراب الوطن . فمثّل هؤلاء الشباب الصمود والتحدي والانتماء لعمقه العربي والإسلامي واستطاعت الكلية أن تُخرج الكثير من القادة والزعماء في مختلف أنحاء فلسطين .

نحاول اليوم متواضعين أن نرد الفضل الى أهله عبر هذه الكلمات التي تُشير من بعيد الى قمة من القمم الرابضة في ذاكرة الوطن فتتناول نزراً يسيراً من حياة الشيخ الجعبري الحافلة بالصبر والتحدي وأن نصدع بكلمة الحق التي وقف الكثيرون دونها وفاءً لمن أحببنا وواجباً لمن تتلمذنا في باحاتهم وتعلمنا فن الحياة من علو هاماتهم ولو استقبلنا من أمرنا ما استدبرنا لاخترنا أن نرتحل شطر خليل الرحمن لنكون طلاباً هناك على شواطئ النهار
.

سليم عبد الرحمن الزغل
باحث وأكاديمي
دير الغصون / طولكرم

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق