الأربعاء، 1 يوليو 2009

العقيدة العربية .... أمريكية الهوى

العقيدة العربية ... أمريكية الهوى

بسبب تراكم الانحطاط وتفاقم المعضلات في بلاد العرب استقر لديهم أعراف ومسلمات ، صارت بحكم تقادم الأيام كالأعراف الدستورية والدولية - مجموعة من القواعد مسطورة يستشعرها الحاكم والمحكوم على السواء ، ومهما اعتراها كثير من الشطط واكتنفتها الظنون إلا انه يغلب عليها كثير من القناعة .

فلدى الرأي العام العربي قناعات تقول : بأن الحاكم في بلاد العرب لا يصير حاكماً إلا إذا أرادت أمريكا ذلك؟! وان تغيير الحكام عندنا وتبديلهم لا يتم إلا وفق الإرادة الأمريكية؟! وان أمريكا إذا غضبت من حاكم ما فسيصبح بعد لحظات إما على الرصيف ، وراء القضبان أو تحت أطباق التراب؟! ، ويتم الاستشهاد في الحال بقصة "نورييغا" والجنرال الباكستاني (ضياء الحق) ومطاردة (زعيم الصومال) والانقضاض على (الزعيم الليبي) وغير ذلك من الأمثلة التي لا تنتهي؟! ، إنها قناعات ترد كل يوم آلاف المرات على ألسنة العامة والخاصة ، العالم والمتعلم على حد سواء أما مئات الملايين من العرب مع تاريخهم المتطاول فيظلون بلا إرادة ولا حرية ومصير مجهول مثقل بالقيود والأغلال؟!

وتتابع تلك القناعات قائلة : بأن الشرق الأوسط - ويعني به المنطقة العربية - تسير وفق النظام الأمريكي (النظام العالمي الجديد) بعد أن صار العالم أحادي القطب ، وبأن الخلاص من العلل المزمنة والأدران السياسية المستعصية في العالم العربي إنما هو مشيئة أمريكية محضة؟! وبأن أديم الحياة للإنسان العربي وقبيلته وحكومته يقبع رهينة للدولار الأمريكي ، وبأن النظريات السياسية التي يكتبها أبناؤنا في كراساتهم تبدو هزيلة أمام النظرية الامبريالية الملونة والتي تتمطى في استكبار في كراسات الصبيان في أمريكا؟! وبأن مشكلات العيش ومضائق الأيام التي يتردى بها الإنسان العربي في وطنه إنما هي برمجة أمريكية رفيعة المستوى للتحكم في صغير الأمور وكبيرها في هذا العالم؟! وبأن ارتقائنا وانحطاطنا مرتبط بصورة لا تقبل الانفصام بالاستمرارية الأمريكية الشاملة حول هذا الكون دونما نظر إلى أهمية التاريخ والإرادة ومعادلة الإيمان والعمل المتواصل الدؤوب؟!

لقد تغلبت هذه القناعات بمجموعات من الأطر اللاشعورية ، فالزعيم العربي ينتظر طويلاً لكي يسمح له بالسفر إلى أمريكا ومقابلة زعيمها وعندما يحصل ذلك تكون قد تحققت مجموعة من الأماني الغالية؟! أما الرئيس الأمريكي فعندما يقوم بزيارة إلى بلد عربي فإن رعايا ذلك البلد يخرجون عن بكرة أبيهم إلى الطرقات لكي يشاركوا في حلقات الرقص اللاشعوري - ولقد قام بعض الناس في الخليج العربي برفع صورة الرئيس الأمريكي السابق (جورج بوش) في بيوتهم وقد كتب تحتها "سبحان الذي سخر لنا هذا"؟!! - وذلك إبان حرب الكويت .

البلاد الأمريكية تستهوي الإنسان العربي لمجرد سماع أخبارها فأكثرية العرب تراودهم الأماني لو استطاعوا أن يقضوا بقية أعمارهم في ربوع أمريكا؟! فهناك منظومة طويلة المستلزمات الأمريكية ندفع أثماناً باهظة ونحن نجاهد للحصول عليها في سعادة غامرة وترحاب كبير ، فالجينز الأمريكي والديسكو وقصة المارينز ، هي قبلة فتياننا وفتياتنا ، ولا نستطيع أن نتمالك أنفسنا ونحن نشاهد رعاة البقر وهم يدخنون المارلبورو الأمريكي فوق صهوات الجياد؟! وخريجوا الجامعات الأمريكية نُقبل أياديهم ، والمغترب في أمريكا نتقرب منه للتبرك ، ونقضي الساعات الطوال ونحن نحملق بأفلام الكاوبوي؟ والسيارة الأمريكية هي نوع من أنواع الكرامات لدينا ، ونفرغ خزائننا وجيوبنا - وربما قلوبنا - في سبيل الحصول على السلاح الأمريكي حتى اللغة الانجليزية أو الفرنسية فإننا نجهد أنفسنا كثيراً كي ننطقها باللكنة الأمريكية؟!

انه وبالرغم من كل هذا ومن كل القناعات السالفة الذكر فإن مؤشر العداء لا يزال في ارتفاع ، إلا أن موجات خفية من الرغبات والأحلام لدينا لتعتبر أمريكية الهوى ، ذلك لأن الأمة عندما تبدأ بفقدان الرؤية الإستراتيجية الشاملة لصراعها مع أعدائها ، وعندما تغيب الرؤيا الواضحة لخصوم الأمة وطبيعتهم وحساباتهم وأهدافهم القريبة والبعيدة ، وعندما يسود منطق العجز ويساء تفسير المواقف ويصاب البعض بعمى الألوان فتصور التقليد الأعمى حضارة وانطلاق؟!

إن البعض يؤمن بأن العرب قوم بلا ذاكرة ، وأنهم أمة لا تعتبر بأحداث الزمان ، وإلا فكيف يفسر هذا التداعي العجيب والتفكير المفزع ؟! سيما وأن الموقف الأمريكية هي أكثر الصفحات سواداً وحلكة وبشاعة في تاريخ العرب الحديث؟! فإن لم يكن البعض قد فقد ذاكرته فكيف تناسى مصارعنا وأشلائنا بآلة الذبح الأمريكية؟! وكيف تناسى الكم الهائل من العداء السافر للأمة العربية والإسلامية والانحياز الكامل والصريح ضد العرب في كل المواقف والحالات؟

كيف تناسى أن كل الأحداث المؤلمة التي مر بها العرب كانت برعاية أمريكا ؟! بل كيف تناسى الفيتو الأمريكي الشهير والمعد خصيصاً لكي يصفع به العرب؟! إن صورة الإنسان العربي في أمريكا لا تعدو عن كونها صورة لقاتل ، همجي ، مصاص دماء ، إن هذه الصورة لتستقر لدى وجدان الأغلبية هناك ، أما البقية فيعلمون أنها صورة ظالمة تتجاوز الحقيقة وفيها مغالاة ، ولكنهم يصرون عليها ويعتبرون ذلك نوعاً من الكبرياء القومي؟!

إن كل ما ذكر في هذا المجال - وما لم يذكر - ليعد أيضاً من القناعات الراسخة في أذهاننا نحن العرب ، ولكن الأمر المفزع والمحزن أن كثيراً من هذه القناعات لتستهوينا وتطربنا؟! فبالرغم من الاستكبار البشع الذي تسفنا إياه الأجيال الأمريكية المتعاقبة إلا أن الكثيرين منا يستعذبون الشقاء في هوى أمريكا؟

أنه ومن خلال هذه الرؤيا للمشاعر العربية بات لزاماً أن يجري مسح ديمغرافي - واسع النطاق- على الذاكرة العربية وذلك في مساحة الأجيال الصاعدة تأطيراً للعمل بموجب القناعات المستقرة .

سليم عبد الرحمن الزغل

دير الغصون - طولكرم-

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق