الخميس، 28 يوليو 2011

الثانوية العامة ومصارع الحالمين

انتحب الطلاب كثيراً هذا العام ، لقد شهدت قاعات امتحان التوجيهي الكثير من البكائيات التي تُقطع نياط القلوب ، شعر الطلاب بالخذلان وفقدوا الثقة بإمكانياتهم ، من الذي أوصلهم الى محطة اليأس والمسالك الوعرة ؟! ولماذا كان الهدف ارتطام الطالب بالسؤال وعدم تمكنه من الإجابة عليه ؟!
إن فلسفة التعجيز وقذف الطالب وسط المضائق والحتوف – والتي باتت متبعة أخيراً في وضع الإمتحان – تجانب المنطق والمنهجية ، فالأصل أن يتم وضع أسئلة يستطيع الطلاب الإجابة عليها ولا يستهينوا بها كما حصل في مادة التربية الإسلامية التي خرج الطلاب يسخرون من نمط أسئلتها ؟! المطلوب أن تتوازى الأسئلة وتتبارى بين السهل والأصعب والوسط بينهما مع الاحتفاظ بالنسب المعهودة كذلك ، ثم إنه لا بد لنا أن ننحي باللائحة على قوافل المشرفين الذي يشعرون بالمتعة والنشوة وهم يجتاحون المدارس لإدانة المعلمين تحت ستار مهمة الإشراف التربوي التي صُممت لدعم المعلم في الميدان وتسهيل مهمته وليس لإدانته ووضعه في قفص الإتهام من خلال حصة واحدة فقط ، الكثيرون منهم يدونون الإيجابية ثم يقومون بنقضها لاحقاً فقط لتعبئة الخانات المعدة بالحق والباطل ؟!
وهناك من يقوم بتصفية الحسابات مع معلمين أو بالتساوق مع مدير – لم يدرس في حياته حصة واحدة – يتربص بالمعلم ريب المنون ؟! إنهم يبحثون عن إدانة المعلم والطالب كما تفعل الأمم المتحدة وهي تدين اطفال غزة وهم يسبحون في دمائهم ؟!
انهم بدل هذه الجهود الغير مشكورة والتي لم تهدف اليها وزارة التربية كان عليهم أن يبحثوا مطولاً مع المعلمين الصور المختلفة لوضعية السؤال للتوجيهي وتدريب الطلاب على التعامل مع الأسئلة بمختلف الصور والحالات بدل الدوران في دائرة العبث والتقليد المأفون .
هل كان هناك تمهيد أم لا وأين التعزيز ، الأهداف لم تكتب للطلاب الصغار بالرغم من انه تم تلاوتها وتحقيقها مراراً ؟!
إنها ردة في مفاهيم الإشراف والتوجيه ، لقد تغير العالم من حولنا وتطور تفكير الإنسان وتم تجريب مجموعات هائلة من الأساليب ولم تعد القديمة منها هي الديدن القائم فالممارسة الغاشمة يمكن أن تفسد بمنتهى السهولة أي تركيب حيوي حساس ، إنه لا مناص من مواجهة الحقيقة كما يقول المفكر (هربرت سبنسر) ، إنه لا بد من ذخيرة من المعارف المحددة بأفضل الوسائل فلكي تنظم الشعر يجب أن تدرس العروض حتى أنبياء بني إسرائيل كان عليهم أن يتعلموا الكتابة وفن العبقري الذي لم يعرف التلقين لإنه باطل ووهم مزعوم على حد تعبير كتاب الصلوات ؟!
يلجأ الكثيرون من واضعي أسئلة التوجيهي الى الميل النفسي والتركيب المزاجي في إخراجها وبنائها ، فأحياناً تأتي في سهولة ميسرة حتى تستعصى عملية القياس والتقويم وأحياناً أخرى يتم بنائها للاستعراض والتباهي والتحدي فكلما أخفق الطلاب في العثور على الإجابات كلما تعزز الشعور بالعظمة والخيلاء ، فيكثرون من الأسئلة الاستنتاجية أو المتشاكلة أو ذات الإجابات المبعثرة وبين هذا وذاك تضيع بوصلة الاختبار ونجد أنفسنا نحط مرغمين في حالة الامتحان الشكلي دون الاقتراب من المضمون والغاية والهدف وهذا ما دفع بالكثير من التربويين والأكاديميين لرفع وتيرة المناداة لطي صفحة امتحان التوجيهي بشكله المعروف والتقليدي والبحث عن بدائل بدل التعثر الدائم والمضي بمزاجية مشرف قدم الينا من الأبواب الخلفية ويريد أن ينصب مشنقة للطلاب ومربيهم ؟1
إن نظرية الوعي التربوي القديمة والحديثة لتؤكد بما لا يدع مجالاً للشك بأن النفسية المعتدلة والمزاجية الوسطية تلعب دوراً مهماً في بناء أسئلة إنسانية يسهل على الطلاب بمختلف فئاتهم التعامل معها والإجابة على أكثرها ، وإن النفسية المعتلة والمزاجية المشوهة تقوم باقتحام المجال دون الالتفات الى المعايير العليا التي طالما اعتمدها فقهاء التربية والتعليم قديماً وحديثاً مثل ابن جماعة وطه حسين وذلك بتنويع الأسئلة وجدولتها وبإسقاطها الهندسي والبياني على عقليات طلاب المدارس ، هذه معادلات لا بد من الإمساك بخيوطها بمهارة عالية ولن يتأتى ذلك إلا مع مشرف نجيب مجيد يتمتع بروح إنسانية عالية ويحترم مسؤولياته ومعلم متنبه يقظ أمين ، يجب أن يتبنى المعلم خيال الطالب أولاً لأن الخيال عنصر لازم للحكمة المتوازنة التي هي الهدف المقصود .
وبخلاف ذلك فإننا ننجز امتحان الثانوية العامة ونخرج النتائج ليرزف الناجحون وينتحب الراسبون ولكن بلا قياس أو تقويم او قيم تربوية راقية ورضى نفسي وعدالة اجتماعية تعليمية ، وعندما يسقط عشرات الآلاف من أبنائنا في مهاوي الفشل والتردد النفسي والشعور بالعجز والخيبة ، يحق لنا أن نغرق في الأحزان ليس لإننا لم نستطيع إنجاحهم بل لأنهم لم يستطيعوا النجاح ، كل ذلك يحصل أو بعضه لأن واضع الأسئلة أراد أن يستعرض بعيداً عن القيم التربوية ونظرية القياس والتقويم التي تم بناءها والوصول الى امتحان يستطيع العبور الى جماهير الطلاب بالمعايير المنطقية والمقبولة إقليمياً ودولياً وفلسطينياً دونما افراط أو تفريط .
وفي كل عام وعندما يحط امتحان الثانوية العامة على روزنامة أيامنا لا يحق لنا أن نتماهى مزهويين في رحلة الزمن قبل أن نفكر ملياً في مجريات الواقع صادقين ، فنعيد النظر بالقيم البالية التي أوردتنا موارد الخضوع والإذعان والرضى والتسليم للرموز الشوهاء أولئك (الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا) فهل بات ضرورياً أن نقرأ كل قصص غسان كنفاني لنعلم أننا موتى بلا قبور ؟! ففي روايته {رجال في الشمس} يموت أبطالها الثلاثة ميتة منكرة دون أن يتجرأ أحدهم على قرع جدران الخزان الذي يسجنون فيه ، نحن مضطرون اليوم لقرع كل جدران العالم من حولنا لكي نذود عن أبنائنا ومستقبلهم ووعيهم وعقولهم من أن تنالها الآفات ويعصف بها المغرورون والشامتون وهم يوردونها موارد الفشل والهلاك والشعور بالعجز ؟!
نستطيع أن نعاين ذلك ونحن نرقب مشهد صراخهم وعويلهم ولوعتهم فور خروجهم من امتحان ما عندما تحتقن نفسياتهم وتتوقف عقولهم وتتفجر أفئدتهم الغضة وهم يتألمون كما حصل مع الطالب حمد شقور من سلفيت الذي قضى من الحسرة والألم فارتحل سريعاً وبقيت صرخاته تتردد في جوفه الى يوم الدين .

بقلم : سليم الزغل - المدرسة الثانوية – دير الغصون / طولكرم

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق