الاثنين، 8 يونيو 2009

الشيخ برهان الدين الجعبري وفاءً من كروم اللوز والزيتون

الشيخ برهان الدين الجعبري
وفاءً من كروم اللوز والزيتون

كان والدي رحمه الله قد أرسلني إلى جامعة الخليل لأتعلم في كلياتها – علماً أنه قد تم قبولي بجامعتي النجاح وبير زيت
- فصرت طالباً بكلية الشريعة في الخليل ، قال لي أحدهم أثناء المقابلة :- وهو يبتسم شعرك طويل فأومأت إليه
بالموافقة ،عرفت فيما بعد أن احد أعضاء تلك اللجنة هو الأستاذ الشيخ برهان الجعبري رحمه الله وغفر له .

عند انتظامنا في الدراسة كان يدرّس لنا أصول الفقه الإسلامي من خلال مذكرة أعدها لهذا الغرض ، الآن وبعد هذه
السنوات أقرر كباحث ومحاضر وأكاديمي في الفكر الإنساني إن أستاذي الراحل الشيخ برهان كان مدرساً باقتدار
ومحاضراً بارعاً وأستاذا كبيراً رغم تواضع مؤهلاته العليا ، ذلك لإني كطالب تتلمذت على يديه مع زملائي الذي أعرفهم
ولا زلنا نتواصل ونتزاور نعلم تماماً كم كنا نكنّ له الحب والتقدير والإعجاب ، لأن المعلم الناجح هو الذي يصنع من
طلابه محبين ومريدين وأوفياء لذكراه عبر السنين فكنا نحب محاضراته ونصغي إليه باهتمام ونحاول أن نسأله
مستوضحين مرة وللاحتكاك به ومداعبته مرة أخرى فكان يرد علينا ووجهه متهللاً باسم الثغر وضّاح المحيّا .

كنا نحب الجلوس إليه لأنه كان يعمل في سكرتاريا الكلية في البدايات فنتجاذب معه أطراف الحديث ، كان ينادي علينا من
بعيد بأسمائنا فنُقبل نحوه فيضحك قبل أن يكلمنا ، كنا نشعر بأبوته الحانية وكان دائماً يحرص على توجيهنا أين نسكن
وكيف نتعامل مع الناس كان اذا جلس للعمل في الكلية خلع جُبته وعمامته وعلقهما بجانبه ، سلمنا عليه ذات مرة وقد
تصادف وجود مصور في الكلية فاستأذناه وأخذنا العمامة والجُبة فكنا نرتديهما الواحد تلو الآخر لأخذ الصور التذكارية
التي لا زلنا نعلقها في بيوتنا حتى اليوم

عرفته أستاذاً مهيباً متحفزاً وجيهاً في قومه ومأذوناً شرعياً في خليل الرحمن وشخصية وطنية من الطراز الأول ، بعد أن
تخرجنا من الكلية ودخلنا في دائرة الاستهداف حيث لم يكن هناك انتفاضات بعد – أُبعدنا عن الوطن قسراً وشُردنا بعيداً
في جبال اليمن وانفضّ الناس عنا حتى الخلاّن والأحبة وبعد سنوات طويلة حيث كنت واصلاً لتوي إلى عمان حيث وقع
بصري على بقايا صحيفة قديمة من الأرض المحتلة في ردهة أحد الفنادق حيث طالعت فيها صورة وخبراً لوفاة أستاذي
الغالي برهان الجعبري ( أبو حكم ) فحزنت كثيراً وغرقت في الأسى وهلت أدمعي ولو كانت الوفاة لحظية لعدت معزياً
علماً أنني لم أكن قد عدت لسنوات طويلة - .

إن الكتابة عن شخصية فذة كشخصية أستاذي الراحل أبو حكم ليست سهلة وإنما لا بدّ من ذلك وفاءً لمن أحببنا وحباً لمن
منحونا كبرياءً وشوقاً وابتسام ..... ووصلاً لمن أبحرنا بحضورهم الى شواطئ الروح والحلم الجميل فتحطمت مراكبنا
وقذفت بنا الأمواج إلى المنافي والقفار .....؟!

يا سيدي أبا حكم :- كان لزاماً علينا بعد هذه السنين أن نقرأ سفر الوفاء ولحن القصيد وأن ننادي عليك اليوم
طيفاً ..... لو اكتمل النشيد ؟!
فسلام عليك يوم ولدت ويوم مت ويوم تبعث حيا .
سليم عبد الرحمن الزغل
باحث وأكاديمي - دير الغصون -